قلوب مدرعة

كان فريدريك الأكبر يفتش علي جيشه ذات يوم‏,‏ فمر بمكان لم يعجبه نظامه‏,‏ فأعرب عن ازدرائه لأحد الضباط‏,‏ فاعترض أحد القواد علي الملاحظة وقال‏:‏ لقد خاض هذا الضابط معارك عشر حملات‏.‏

فقال فريدريك وهو يشير بيده إلي بغل يجر أحد المدافع‏:‏ هذا البغل أيضا قد خاض معارك عشر حملات‏,‏ ولكنه لا يدري اليوم من أمر الحرب أكثر مما كان يدري قبل المعركة الأولي‏.‏
والحقيقة أن فريدريك الأكبر كان رجلا مضحكا‏,‏ وأكثر ما يثير الضحك في الصورة التي رسمها أنه كان يقول الحقيقة‏.‏
هناك نوع من الناس يدخلون عشرات التجارب‏,‏ ويخرجون منها كما دخلوها بغير زيادة ولا نقصان‏.‏
لم يؤثر سطر واحد من سطور التجربة علي شخصياتهم‏,‏ ولم يبق من مذاق التجربة أو رائحتها شيء‏..‏ حتي الذكري بهتت كأوراق الشتاء‏.‏ هؤلاء الناس مصفحون ضد التجارب‏,‏ هؤلاء هم أصحاب القلوب المدرعة‏,‏ إنهم يتصورون أنهم قد سلموا‏,‏ وأن شيئا لم يفتهم‏,‏ والحقيقة أنهم لا يشعرون بأهمية ما تسرب من أيديهم‏.‏
ولقد أثبتت الحياة أن الذين لا تؤثر فيهم التجارب لا يحرزون تقدما في الحياة‏..‏ إنهم يشبهون البغل الذي تحدث عنه فريدريك‏.‏
ولسوف تعثر علي ناس كثيرين يهربون من التجارب الحقيقية إلي المغامرة وهذا يشبه قفز الأولاد من المدرسة وخروجهم إلي اللهو‏.‏
والتجربة جزء من دروس الحياة‏,‏ وليست دروس الحياة كدروس الكتب أو المدارس‏,‏ فالمدرسة تعلمك كيف تواجه الحياة‏,‏ والكتب تحدثك عن العلوم والفنون والآداب‏,‏ ولكن الحياة شيء آخر تماما‏.‏
وليس النجاح في الحياة رهين النجاح في المدرسة‏.‏
وليست التجربة هي المغامرة‏,‏ كما أن التجربة ليست ممارسة شعور لم تمارسه من قبل لمجرد الحركة‏..‏ التجربة تعني التفاعل مع الحياة‏,‏ وتعني فهم أسباب النجاح وأسباب الفشل‏,‏ وتعني القدرة علي التعلم من الحياة ذاتها‏.‏
ولا يخلص الناس للتجارب إلا إذا أخلصوا لأحاسيسهم‏,‏ لأن التجارب هي التي تفجر في النفس أحاسيسها كما ينبجس الماء من الحجر‏,‏ وبغير التفاعل يظل الناس طينا يابسا من طين الأرض‏.‏